لجان المناصحة ضرورة ملحة - للشيخ د. صلاح الخلاقي

لجان المناصحة ضرورة ملحة

 

نُشر هذا المقال في

جريدة أخبار الخليج البحرينية، العدد : ١٤٠٠٣ - الاثنين ٢٥ يوليو ٢٠١٦ م، الموافق ٢٠ شوال ١٤٣٧ هـ

وجريدة الأيام البحرينية العدد 9967 السبت 23 يوليو 2016 الموافق 18 شوال 1437

 

 

يستغرب الكثير من الأفعال الشنيعة التي يقوم بها الدواعش ومن سار على شاكلتهم في الفكر، وكيف أنهم متعطشون لإراقة الدماء واستحلال المحرمات وترويع الآمنين، والإفساد في الأرض، وتعطيل المصالح العامة التي لا غنى للناس عنها، وحيث أني قد تعرضت في مقال سابق لـ(من وراء داعش؟)، يجدر الإشارة في هذا المقام إلى المولد لشرارة هذه الفئة الضالة في هذا العصر.

وقد تأملت كثيراً فيما يذكره الناس وأن هذه الأفعال الإجرامية هي حصيلة العكوف على الكتب الفكرية التي اعتنت بتأصيل فكر التكفير والتفجير في العصر الحاضر، ومن أوائل تلك الكتب (نظرية الإسلام) و(المصطلحات الأربعة)؛ فقد لخص مراده منها بقوله: (خلاصة القول أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة)، فصار يقرر أن الله ما أرسل الرسل وأنزل الكتب إلا للسيطرة على زمام الحكم، وأن أولئك الزعماء والقادة شركاء مع الله في الألوهية والربوبية؛ إذ شرعوا للناس تلك النظم والقوانين في شؤونهم الاجتماعية والدينية.

ثم تضخمت قضية التكفير –للحكام والمحكومين- بسبب التهاون في مسألة الحاكمية، والناظر (في ظلال القرآن) يجد قصب السبق والريادة في هذا المضمار، ولذلك من مقولاته الغريبة في هذا الكتاب قوله: (إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي)، وازدادت معالم التكفير في (معالم في الطريق) حتى شكلت إرهاباً فكرياً خرج من حيز النطاق النظري إلى النطاق العملي، ثم تتابعت الكتابات الداعمة لهذا الفكر الخارجي الدخيل كـ(الفريضة الغائبة) و(حتمية المواجهة) و(الكواشف الجلية)، وغيرها من الكتابات التي تدعو إلى تكفير المجتمعات والاغتيالات والتفجيرات والمظاهرات تحت غطاء الشعارات الجوفاء المنادية بإقامة الدولة الإسلامية، متضمنة المتاجرة بآلام الأمة وتفشي الظلم بينهم.

والمقصود أن تشَرُّب الشباب بالأفكار الواردة في هذه الكتابات هو الذي دفعهم إلى حمل المتفجرات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة إلى أهليهم وذويهم ظانين أن ما يقومون به لبنة من لبنات إقامة دولة الإسلام، ومعتقدين أن قتل أهل القبلة أولى من قتال أهل العهد والذمة، وأن تحرير الحرمين أولى من تطهير المسجد الأقصى من اليهود.

إن مثل هذا الغسيل الدماغي لعقول حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يستدعي من الجميع الشعور بالمسؤلية والبحث عن  السبل الوقائية من هذه الأفكار المضللة والمبادئ المنحرفة والسلوكات الشاذة، التي لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل ولا تستسيغها فطرة.

وإن من أنفع السبل الوقائية–بعد توفيق الله- المواجهة الفكرية؛ فالفكر لا يُزال إلا بالفكر، وعليه فإقامة لجان مناصحة من ذوي الخبرة والكفاءة والعلم والدراية بكتب المخالفين من الأهمية بمكان في مكافحة هذا الفكر الضال، وقد سنَّ هذه السنة الخليفة الراشد علي رضي الله عنه مع الخوارج الذين خرجوا عليه؛ فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم، ونفع الله بمحاججته جمع منهم، ثم أرسل للبقية قيس بن سعد بن عبادة: فوعظهم فيما هم مرتكبوه من الأمر العظيم، والخطب الجسيم فلم ينفع ذلك فيهم، وكذلك فعل أبو أيوب الأنصاري: أنبهم ووبخهم، فلم ينجع فيهم، ثم تقدم لهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نفسه فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتهددهم وتوعدهم، وقال: (إنكم أنكرتم علي أمراً، أنتم دعوتموني إليه وأبيتم إلا إياه، فنهيتكم عنه فلم تقبلوا، وها أنا وأنتم فارجعوا إلى ما خرجتم منه، ولا تركبوا محارم الله فإنكم قد سولت لكم أنفسكم أمرا تقتلون عليه المسلمين، والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيماً عند الله، فكيف بدماء المسلمين؟!) البداية والنهاية (10/ 586). وصدق رضي الله عنه فإن الله أدخل امرأة النار في هرة، وهي رسالة نعيد إرسالها لدواعش عصرنا، ونؤكد لهم ما قاله صلى الله عليه وسلم: (كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) يعني إذا جاءت تحاج عن صاحبها يوم القيامة.

 

كتبه

د. صلاح محمد موسى الخلاقي

17 شوال 1437هـ - 17 يوليو 2016م

 

 

*رابط للمقال في موقع جريدة الأيام البحرينية:

http://www.alayam.com/alayam/multaqa/592065/News.html

 

*رابط للمقال في موقع جريدة أخبار الخليج البحرينية:

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14003/article/32679.html