بسم الله الرحمن الرحيم
(المنهجية في طلب العلوم الشرعية)
تمهيد:
إن تحصيل العلم الشرعي يقوم على عمودين هما الحفظ والفهم، قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية -رحمه الله-: (والعلم له مبدأ وهو: قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم، وتمام وهو: قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة) [الاقتضاء: ص160]. وهذان العمودان يقومان على أساسين: داخلي وهو: الإخلاص، وخارجي وهو: حفظ الوقت.
ولابد لطالب العلم أن يسعى في تنمية هذين العمودين والتحلي بهذين الأساسين والاستفادة من وسائل التحصيل النافعة والمتيسرة([1])، وكلما تنوعت وسائل التحصيل آتت الثمرة أكلها، إلا أنَّ مَن لم تتيسر له جميعها فلا يعدم أن يجتهد في المتيسر منها.
كما أنه ينبغي للطالب أن يختار الشيخ المتقن المتبع للكتاب والسنة والذي يجد منه النفع والفائدة، وبهذا تكتمل العملية التعليمية وتؤتي الثمرة أكلها بإذن ربها.
ولا بد لطالب العلم الشرعي -حتى يصل إلى مقصوده, ويحقق مرغوبه- من منهجيَّة واضحة, وسلَّم يتدرج فيه بالبدء بصغار مسائل هذا العلم, وأوجز مختصراته, ثمَّ يتدرَّج في ذلك السُّلَّم حتى يصل إلى منتهى ذلك العلم وغايته؛ فإن التدرج معراج التخرج، وإن نيل الأصول مفتاح الوصول. قال ابن عبد البر -رحمه الله- : (طَلَبُ العلمِ درجاتٌ ومناقل ورُتَب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف - رحمهم الله- ومن تعدى سبيلهم عامداً ضلّ، ومن تعداه مجتهداً زلَّ، فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه..) [جامع بيان العلم وفضله: (2/1129)].
قال الزبيدي -رحمه الله- في ألفية السند:
فما حوى الغاية في ألف سنة شخص فخذ من كل علم أحسنه
بحفــظ متن جامعٍ للراجــــــحِ تأخذه على مفيد ناصـــــــــــــحِ.
وخدمةً للعلم وطلابه أحببنا أن نسهم في تبصير الطُّلاب المنهج القويم في التعليم, والعودة إلى طريقة السَّلف في التَّحصيل, فنضع منهجية مقترحة في الطلب مبناها على دراستنا على شيوخنا وما علمناه منهم.
أسباب إعداد برنامج المنهجية في طلب العلم :
-
أنّ المنهجية السويّة في طلب العلم لها أثر بالغ في الاستفادة العلمية والتدرج في العلم مع الإتقان واستغلال الوقت.
-
تسهيل الطريق على طلبة العلم وتحبيبه إليهم، قال ابن حجر: (وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأنّ الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حُبِّب إلى مَن يدخلُ فيه وتلقاه بانبساط، وكانت عاقبتُه غالباً الازديادَ، بخلاف ضدّه) [فتح الباري: (1/163)].
-
انتشار الفوضى العلميّة في أوساط الكثير من طلبة العلم وخصوصاً المبتدئين منهم، فتراه يقتحم فروع مسائل العلم قبل تحصيل أصوله، فلا يحصّل علماً ولا ينال مراداً وآل ببعضهم إلى الملل من الطلب والله المستعان.
-
انعدام منهجيَّة علميَّة في العلوم الشَّرعيَّة يسير عليها طلبة العلم في كثير من البلدان, فتجد الطَّالب يسلك طريق العلم فلا يكاد يجد من يرشده الطَّريق السَّديد, ولا يجد المنهج القويم, فيتخبط في سيره, ويتعثر في طريقه, فإمَّا أن ينتكس على عقبه, أو يستمرُّ على تخبطه.
-
عزوف كثير من الطَّلبة عن حفظ المتون العلميَّة الجامعة لأصول العلوم, وقواعد الفنون.
-
قلة المتفننين في العلوم وجهل كثير من طلبة العلم بمادئ بعض الفنون التي لم يشتغل بها، قال الغزالي -رحمه الله- في معرض بيانه لآداب المتعلم ووظائفه: (أن لا يدع طالب العلم فنا من العلوم المحمودة ولا نوعا من أنواعه إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه، وتطرف من البقية، فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض) [إحياء علوم الدين: (1/48)].
أهداف برنامج المنهجية في طلب العلم :
-
التأسيس المنهجي العلمي والعملي لطالب العلم الشرعي .
-
تكوين قاعدة متينة يقيم عليها طالب العلم صرحه العلمي بشكل متوازن ومتناسق وواضح وواقعي؛ ليصل إلى مرحلة التخصص.
-
العودة إلى طريقة السَّلف في التَّحصيل, وتبصير الطُّلاب بمنهجهم القويم في التعليم, فيقضى بذلك -بإذن الله- على فوضى العلم والتعليم المنتشرة بين أبناء هذا الجيل.
-
حثُّ الطَّالب على التَّخصص, بعد أخذه لأصول العلوم المختلفة؛ لضعف الهمم في العصور المتأخِّرة عن التَّمكن في شتى العلوم المختلفة.
طريقة عملنا في البرنامج:
-
وضع مقدمة للبرنامج تشتمل على أسباب إعداد المنهجية في الطلب، وأهداف البرنامج، وخطة مقترحة وفق ذلك، وتنبيهات تتعلق ببرنامج المنهجية وتقتضيها المنهجية العلمية في الطلب، والتعريف بالبرنامج، وخطة مقترحة لكيفية شروع الطالب في الطلب.
-
اختيار المتون العلمية في مختلف العلوم والمعدة للحفظ غالبًا، والتي اعتمدها أهل العلم ودارت عليها أكثر الشروح، بأحسن الطبعات المعتمدة.
-
كتابة تقرير عن كل متن يحتوي على الأمور التالية: اسم الكتاب، واسم مؤلفه، وموضوع الكتاب ومميزاته، وما يسبقه من متون وما يلحقه منها، والشروح المقترحة.
-
ربط أهمية المتن بسابقه ولاحقه وبما يتعلق به.
-
اختيار أفضل الشروح على تلك المتون مع بيان مميزات هذا الشرح ومستواه.
تنبيهات تتعلق ببرنامج المنهجية:
-
تذكر أن المنهجية في الطلب مقترحة مبناها على دراستنا على شيوخنا وما علمناه منهم، ومن المعلوم أن منهجية الطلب تختلف باختلاف الشيوخ والبلدان والمذاهب، بل إنه يراعى فيها أحوال المتعلمين وقدراتهم وأفهامهم، فما يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر، وعليه فما يذكر من الكتب ليس ملزمًا فقد يكون هناك كتاب آخر على نفس المستوى والشاكلة، وخير معين على توضيح الطريق القويم للطالب شيخه.
-
يعتبر التقرير الموضوع لكل متن مختار مستفاد من كلام المصنف في كتابه، ومن شروح أهل العلم عليه، ويعتبر مفتاحاً للمبتدي وتذكيراً للمنتهي، ولا ندعي استيعاب التقرير للمراد، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
-
الجمع بين فنين فأكثر راجع إلى ما سبق التنبيه عليه، ويجدر التنبيه إلى أن المغاربة يمنعونه مطلقاً، ولذلك يقول أحد الشناقطة:
-
وإن تُـــرد تحـصـيــــلَ فَنٍّ تَمّـمــهْ وعن سواهُ قبـل الانـتـهـاءِ مَــهْ
-
وفـي تــرادف الفـنـون المنـعُ جـا إذ توأمــــــــان اجتمعـا لن يخرجـا
-
انتقال الطالب من مستوى إلى آخر، واستغناؤه بمتن عن آخر خاضع لمن يعرف حاله، وقدر تحصيله من الفن الذي حصله.
-
حفظ متنٍ أو نظمٍ في كل فنٍّ يجمع شتاته, ويلم مسائله، ويرتب قواعده من أولى ما يكون على مبتغي الفائدة؛ حتى يكون حفظه قاعدة يبني عليها سائر أبواب العلم ومسائله.
-
ينبغي لطالب الفائدة أن يأخذ من كل علم بطرفه بادئ الأمر من حيث الفهم، ثمَّ يترقَّى في الدرجات حتى يحرص على فهم المسائل الكلية والجزئية ومعرفة تعليلها وتفسيرها، وربطها بالنصوص، مع محاولة مناقشة وجهة ذلك التفسير، وفهم المقاصد الشرعية والقواعد الكلية في أنواع العلوم الشرعية.
تنبيهات تقتضيها المنهجية العلمية في الطلب:
-
أنّ يراعي طالبُ العلم آدابَ الطلب المتعلقة بنفسه وبربه وبشيخه وبمجتمعه، ويسأل الله التوفيق والإعانة على الاستفادة من البرنامج الذي وُضِع بين يديه، وأن يوفقه لصاحب سنة ينير له ما تعسر عليه منه.
-
الأخذ عن الشيوخ هو الأصل في طلب العلم، فيأخذ الطالب عنهم يشافههم ويقتبس من هديهم وسمتهم،إن كان معاصراً لهم، مدركاً لحياتهم! ومن نعم الله على طالب العلم المبتدئ أنْ يوفق لعالمٍ عاملٍ مربٍ متبعٍ للكتاب والسنة، يحبب له العلم، ويربيه على العمل بالعلم، ويبصِّره بمفاتيح العلوم، ومداخل الكتب.
-
يتجنب الطالب أن يكون شيخه كتابه، فإنَّ من كان هذا حاله، كثر خطؤه وقل صوابه، ولابأس أن يأخذ عن كتب أهل العلم ومصنفاتهم فيقرأ فيها طالباً الاستفادة والتفهم والتوسع بعد الدرس.
-
إذا كان (الحرص، والحسد، والكبر) هي أصول الذنوب والخطايا، فإن صوارف وعوائق الطلب تعود إليها كذلك؛ فحرص الطالب على العلم، إذا لم يراع الحقوق الأخرى عليه، آل به الأمر إلى تركه للعلم وتضييعه، (فالمنبت لا ظهراً أبقى و لا أرضاً قطع)؛ فالعلم كثير، والعمر قصير، قال ابن شهاب الزهري -رحمه الله- ليونس بن يزيد: (يا يونس لا تكابر العلم؛ فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولاتأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي)([2]).وقد يجر الحرص إلى الانتقال من علم إلى آخر قبل إتمام الأول، فيحرم الفهم والتمكن من العلمين جميعاً.
-
ويتجنب الطالب أسباب حرمان العلم، قال الإمام السفاريني في [غذاء الألباب: (1/44)]: "وحرمان العلم يكون بستة أوجه:
أحدها: ترك السؤال.
الثاني: سوء الإنصات وعدم إلقاء السمع.
الثالث: سوء الفهم.
الرابع: عدم الحفظ.
الخامس: عدم نشره وتعليمه، فمن خزن علمه ولم ينشره ابتلاه الله بنسيانه جزاء وفاقا .
السادس: عدم العمل به، فإن العمل به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه ، فإذا أهمل العمل به نسيه).
التعريف بالبرنامج:
-
هو برنامج تعليمي يهدف إلى تكوين قاعدة متينة يقيم عليها طالب العلم صرحه العلمي بشكل متوازن وواضح؛ ببيان المنهجية الصحيحة في الطلب، كما يسهم في توضيح مداخل مختصرة للفنون، وتبيين أهمية ومميزات كل متن متعلق بذلك الفن، وربط أهمية المتن بسابقه ولاحقه أحياناً.
- جدول يوضح سير عمل البرنامج:
المســـــتوىالفن |
الأول |
الثاني |
الثالث |
علوم القرآن |
|
|
|
التوحيد والعقيدة |
|
|
|
الحديث وعلومه |
|
|
|
الفقهوعلومه |
|
|
|
علوم العربية |
|
|
|
السيرة والآداب |
|
|
|
نسأل الله العون والتسديد على إتمام العمل، والإخلاص والتوفيق والعصمة من الخطأ والزلل. وإلى الشروع في المقصود فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلى بالله.
اللجنة العلمية