الدلائل الجلية في تحريم العمليات الانتحارية - للشيخ د. صلاح الخلاقي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين،

أما بعد:

 

فإن حفظ الأنفس وحمايتها ضرورة دينية، ومصلحة شرعية، وفطرة سوية، وطبيعة بشرية، وغريزة إنسانية. ومن المتقرر عند جميع أهل الأديان أن من أعظم الجرائم التي ارتكبت على وجه البسيطة: جريمة القتل ، سواء: قتل العبد لنفسه أو لغيره؛ وها نحن في زمنٍ كثر فيه الهرج وقتل النفوس المعصومة بغير حق، وهذا مصداق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل»([1]).

وقد تبنى هذا المسلك الوخيم، ونسبوه للإسلام كذباً وزوراً الروافض والخوارج، ولك أن تسأل التاريخ عما جنته هاتان الفرقتان من ويلات، وما ارتكبته من مجازر بسبب ما يسمى: الثورات، ولك أنت تسأل: كم نزفت بسببهم من دماء، وقطعت من أشلاء، وهكذا استمر بسببهم البلاء، إلى وقتنا الحاضر (كلما ظهر منهم قرن قطع) فلا دنيا ملكوا، ولا ديناً أبقوا.

ولا حاجة لشرح ويلاتهم وجرائمهم التي ارتكبوها في حق الإسلام والمسلمين، فيكفي أنهم اجتمعوا في الفساد، وإن تنوعت بهم طرق الوصول إليه؛ ويكفي اللبيب الوقوف مع أول نكبة حصلت في تاريخ المسلمين: وهي مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فمن كان ورائها؟ ومن أجج نيرانها؟؟

لاشك أن لمؤسسي هاتين الفرقتين النصيب الأوفر من إشعال الفتنة، وتفريق كلمة المسلمين، وارتكاب الجرائم والويلات، كل ذلك بشعارات براقة، وعبارات مزخرفة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب ([2]).

.فيا شديد الطول والإنعام               إليك نشكو محنة الإسلام 

والمتأمل في تاريخ الروافض والخوارج يجد أن هاتين الفرقتين أكثر الفرق غلواً في التكفير، وأشنعهم دموية في الثأر، وأكثرهم همجية في الانتقام، وقد كشفت الأيام القريبة اللثام لكثير من العوام حقيقة ذلك، وإن كان هذا الأمر معلوما لكل مطلع على تاريخهم.

والذي أوقع هذه الفرق في هذا الانحراف الخطير، والمزلق الكبير، أمور أهمها:

  • ترك المحكم واتباع المتشابه من النصوص الشرعية وأقوال العلماء، قال الله سبحانه: ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه)).

  • تكفير المخالفين لهم.

  • الإعراض عن توجيهات العلماء الراسخين.

  • والاستقلالية في الفهم، والجرأة في الحكم.

وغير ذلك من الأمور التي خلفت ركاماً من المخالفات الشرعية، والفتاوى الشاذة المخالفة للنصوص الشرعية، والعقول السليمة والفطر المستقيمة، ومن آخر تلك الدعوات المضللة: الدعوة إلى ما يسمى بــ(العمليات الاستشهادية)، والتي هي في حقيقتها تحريض وتهييج للشباب على قتل أنفسهم بغير حق، حتى تطورت هذه الجريمة وبدت عند بعض الفرق الضالة من أعظم القربات، بل من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله.  

وقد عرض علي أحد الفضلاء مذكرة موسومة بـــ(الأقوال المهدية إلى العمليات الاستشهادية)، وطلب مني بيان ما فيها من تلبيس وتدليس، وتضليل وتهويل، فاعتذرت بكثرة الشواغل، ولكثرة فتاوى أئمة الدين من العلماء الراسخين في هذا العصر على بيان تحريمها، وتوضيح مفاسدها وضررها، ولخلو كتابة أصحاب الشطط الفكري، والجانح للحركات التكفيرية من الجديد في الاستدلال؛ فإن معظم من كتب في هذه المسألة متشابهون فيما يذكرونه من حجج؛ وإنما يكمن الفرق بينهم في طريقة العرض, وترتيب الأدلة, والإكثار أو الإقلال من الشواهد والتلبيس والتدليس لكل منها.

        ولما كثر الإلحاح استعنت بالله تعالى على تقريب فتاوى أئمة هذا العصر وبياناتهم المحرمة للعمليات الانتحارية والمسماة (الاستشهادية)، واختصار كلام بعض المشايخ المؤلفين في هذا الباب، وكشف شبهات المجوزين لتلك العمليات؛ لكونها في الحقيقة أشبه ما يكون بشبهات يحسبها الظمآن ماءً، حتى إذا انقشعت عنها ظلمات الجهل، لم يجدها شيئاً، وظهر أمر الله وهم كارهون.

وقد تأملت في هذه المذكرة فوجدتها اشتملت على ما يلي:

1- الاعتماد الكلي على الكتابات المجوزة لعمليات الانتحار والمسماة (الاستشهادية)، ويبدو أن الكاتب اعتمد على كتابين:   

  • الدلائل الجلية على مشروعية العمليات الاستشهادية. لأحمد عبد الكريم نجيب.

  • الفتاوى الندية في العمليات الاستشهادية. لحمود بن عقلا الشعيبي.

2- ذكر جملة من النصوص والنقولات التي لا علاقة لها بالمقصود من الدراسة؛ وهذا يؤكد جهل الكاتب وتقليده لما سبقه من الكتابات دون تحقيق، وكذلك عدم تحرير موطن النزاع في المسألة، والجهل بمناط الحكم فيها.  

3- أن جميع استدلالاتهم التي يعتمدون عليها لا تستقيم إلا إذا أرجعوها إلى بعض الأصول والقواعد الشرعية, كالقول باعتبار النية في تغير الأحكام الشرعية, والقياس, ومراعاة المصالح والمفاسد، ونحو ذلك. وكل ذلك بعد لـــَيِّ أعناق النصوص، وبعد تحريف تلك الأصول والقواعد عن مدلولاتها الصحيحة.

4- دغدغة المشاعر وحشد العبارات الحماسية والأساليب العاطفية, كالتباكي على الإسلام, وبيان ضرورة الانتقام، ونحو ذلك مما لا مجال له في الحجج العلمية المبنية على الأدلة الشرعية.

5- الإعراض عن فتاوى الأئمة والعلماء الراسخين([3])، بل والجرأة في الغمز واللمز بهم، والتكثر بفتاوى المفتونين، أو تتبع ما تشابه من كلام بعض العلماء وتحميله ما لا يحتمل؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل الفتوى وفق ما يهوون.

6- بتر نصوص الأئمة والعلماء، والتحكم فيها، والاكتفاء بما قد يشعر موافقتهم في المسألة؛ وهذا كثير([4]).

ونقضاً لما اشتملت عليه هذه المذكرة من تضليل، وكشفاً لما احتوته من مناقضة لصراط سواء السبيل، وتوضيحاً لما تضافرت به النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وما تواتر من نقل إجماع الأمة، وما دلت عليه مقاصد الشريعة، من تحريم قتل الإنسان نفسه، اجتهدت في هذه الكتابة؛ على توضيح هذه المسألة بأوجز عبارة، وأقصر إشارة، ونقض استدلال أهل الأهواء، دون خلل وإطالة، كما توخيت التفصيل في نقض كل شبهة على حدة؛ لكون ذلك مبسوطاً في كتب مطبوعة ومتداولة.   

         فجاء هذا البحث المتواضع على هذا النحو المبين لأنواع الأدلة الدالة على تحريم تلك الفعلة الشنيعة، سردتها مفصلة على النحو التالي:

  • النوع الأول: الأدلة الدالة على تحريم قتل النفس إلاّ بالحق.

  • النوع الثاني: الأدلّة التي تُحرِّم قتْل النفس المؤمنة -والمسلم الذي يقتل نفسه يَصْدق عليه أنه قتل نفساً مؤمنة-.

  • النوع الثالث: الأدلة الصريحة على تحريم قتْل الإنسان نفسه وأن ذلك من كبائر الذنوب.

  • النوع الرابع: دلالة الإجماع على تحريم مباشرة قتل الإنسان نفسه.

  • النوع الخامس: دلالة قواعد الشريعة على تحريم قتل النفس البشرية.

 

أسأل الله أن أكون قد وفقت في بيان المقصود، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 


([1]) رواه مسلم (4/ 2231) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([2]) انظر: مقال بعنوان: (الروافض والخوارج وجهان لعملة الاضطراب والفساد).

([3]) وصدق العلامة شيخنا العباد حين قال: "إعراض الشباب المفتونين عن الرجوع إلى العلماء مكيدة شيطانية" انظر: بذل النصح والتذكير ص 20.

([4]) انظر: بتر الكاتب لكلام شيخ الإسلام، وفضيلة العلامة ابن عثيمين، والمحدث الألباني: الأقوال المهدية  ص 8، وص 17.

  • العمليات الانتحارية.. أجهاد؟ أم إفساد؟! للدكتور عبد الله الجربوع، وتقديم العلامة د. صالح الفوزان.

  • الرد على مجيزي العمليات الانتحاري –سلمان العودة، وسليمان العلوان-. الشيخ ماهر القحطاني.