إلى مصاب بالصرع

سلسلة رسائل دعوية (14)

إلى مصاب بالصرع

الصرع مرض يعتري الجهاز العصبي، يفسد النفسية، ويضعف الأعضاء عن أداء وظائفها على جهة العادة، وربما صحب المصاب غيبوبة وذهاب الوعي، وتشنج وارتخاء وتزبيد ونحو ذلك، وقد يكون هذا بسبب احتباس الريح في منافذ الدماغ، ومنه ما كان يحصل لأم زفر المرأة السوداء التي كانت تُصرع وتتكشف، وشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقد يكون بسبب إيذاء الأرواح الخبيثة والأخلاط الرديئة، من الجن والعين ونحو ذلك، وحيث أن هذا البلاء قد تفشى في مجتمعاتنا جاءت هذه الوصايا والتوجيهات إلى مَن ابتلي بهذا المرض، سائلاً الله العلي القدير أن يعم بها النفع، وأن يعجل لهم الشفاء:

  • اعلم أنه ما من داء إلا وله دواء، فالصرع الناتج عن انقطاع شرارة كهربائية إلى الدماغ، يُستعان في علاجه بعد معونة الله بالعلاجات التي يصرفها الطبيب المتخصص، مما يتناسب مع جسم الإنسان وتفاعله معها، وصرع الأرواح الخبيثة يُعالج بعد معونة الله بمقابلة الأرواح الشريفة؛ حيث تعارِض أفعالها وتُبطلها، وقد نص على ذلك عقلاء الأطباء قديماً وحديثاً، ولا ينكر هذا النوع من الصرع إلا الجهلة وإن انتسبوا للطب، قال ابن القيم: «فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به».
  • اصبر على ما أصابك من بلاء، وصابر على ما فيك من لأواء، فأنت في دار البلاء، واجعل قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تُصرع: (إن شئت صبرت ولكِ الجنة) نُصب عينيك، واستحضر أن الله الذي ابتلاك قد فتح لك باباً عظيماً منه تصل إلى أعلى الدرجات، وباباً تُـحَط فيه السيئات، وهو أعظم ما يُعطاه العبد، به يتحول الشقاء إلى مسرة للعبد وعطاء، وضيق الحال إلى بركة وسعة، والجزع والتسخط إلى رضا وانشراح صدر، والهم والغم إلى طمأنينة وانشراح، فمن صبر ظفر وحصل له النصر.
  • إياك والالتفات إلى تسلط الأرواح الشريرة عليك، واجعل نظرك إلى الذي ‌سلطهم ‌عليك، فله الحكمة البالغة فيما قدره؛ فلعل ما أصابك مما كسبت يداك، أو سبباً لتحصيل مرتبة لم تدركها بعمل.
  • عليك بالدعاء فإنه سلاح المؤمن، وأكثر من التعوذ بالله من شر كل ذي شر، واعلم أن صِدق التوجه إلى الله يفعل في النفس ما لا يناله علاج الأطباء، وتأثيره أنجع وأسرع لمن سلم طبعه، ومن تدبر قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تصرع: (وإن شئتِ ‌دعوت الله أن يعافيك)، لاح له عِظم أثر الدعاء، فألـِح على ربك بالدعاء، وتضرع بين يديه طالباً الشفاء، وكن واثقاً بالله عظيم الرجاء.
  • كن قوي القلب؛ فإن ذلك من أهم ما ينبغي لكل مصاب بالصرع -وخصوصاً مَن كان سببه الأرواح الخبيثة-؛ فإنه في حرب يخوضها مع تلك الأرواح الشريرة التي تتسلط على القلوب الضعيفة، وقد يواجه أعراضاً نفسية وحالات اكتئاب، وخوف وقلق وغير ذلك، مما يحتاج معه إلى شدة بأس، فلابد أن يكون قلبه قوياً عامراً بتقوى الله والتوكل عليه وحسن الظن به.
  • إياك والتفكر بنوبات الصرع؛ فكلما فَرَغ القلب من الانشغال بمسبب الأسباب العظيم الوهاب، شُغِل بالمخاوف والمكاره والنوبات، قال بعض السلف: (من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء).
  • اعلم أن الأرواح الخبيثة تستغل مواطن الضعف، فتراه يهيج الضعف الموجود في بعض الأعضاء كالقولون ونحوه، ويستغل أوقات الضعف كأوقات النوم، والأماكن التي يكون فيها الإنسان ضعيفاً كالوحدة في النوم والسفر، فاحذر من هذه الأحوال التي تَضعُف فيها أمام مواجهة الأرواح الخبيثة، واتخذ العُدَّة اللازمة بعد الاستعانة بالله تعالى.
  • الزم تقوى الله تعالى، بكثرة عبادته، وأقبل على الله بصدق وإخلاص، فمن ذلك تستمد جميع الجوارح النشاط والحيوية والصلابة والقوة، ويتحول الحال إلى الفرج بعد الشدة، والشفاء بعد البلاء.
  • احفظ الله يحفظك، بالمحافظة على الأذكار فبها تُحفظ من الشرور والآفات، وخصوصاً أذكار النوم والصباح والمساء فهي حصن حصين، وسد منيع من شر الأشرار وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.
  • إن كنت مختاراً لنفسك معالجاً فاختر الصادق في نفسه، الصالح في دينه، الحاذق في فنه، ورِعاً أميناً، سواءً كان طبيباً للصرع الطبي، أو راقياً من الصرع الروحي، وإياك أن تكون ضحية الذين اتخذوا من الرقية وظيفةً يتكسبون من ورائها، ووسيلةً يترزقون من خلالها، وأبشع من هؤلاء قوماً تآخوا مع شيطانهم ليُرَوِّضوا كيد السحرة الأشرار، فإياك وإياهم.
  •  عليك بالرقية الشرعية، فداوم على رقية نفسك، واعلم أن هذا الباب له قواعد وأصول وشروط وضوابط تتعلق بالراقي وبالرقية، وأنفعه ما كان من القرآن، وأعظمه الفاتحة، قال ابن القيم رحمه الله: «ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء، ومكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواء، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً».
  • أحسن إلى عباد الله فما أطفأ الله شر الأشرار بمثل الإحسان إلى عباده بالصدقة والبذل ولو بكلمة طيبة؛ فلها تأثير عجيب في جلب الخيرات، ودفع مصارع السوء، وتفريج الكرب  وإعانة المحتاج وإغاثة الملهوف ما يعود على المصاب بجنس صنيعه للآخرين وفعله معهم.

   

أسأل الله جل جلاله أن يَـمُنَّ على كل مبتلى بالعافية، ويُلبسهم الصحة والشفاء العاجل، ويرزقهم الأجر والمثوبة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

                                                كتبه

                                                د. صلاح بن محمد موسى الخلاقي

                                              15/ 2/ 1443هــ 22/ 9/ 2021م

 

 

تحميل الملف المرفق: